الرسول
(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)
الرسول
الأعظم (صلى الله عليه وآله) واللاعنف
إحدى أهم الأدلة على أنّ الإسلام يتّبع
اُسلوب اللاّعنف هي منهجية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وسيرته في تعامله
حتى مع مناوئيه، حيث إنّه (صلى الله عليه وآله) قدّم للبشرية جمعاء خير شاهد على
أنّ الإسلام يدعو إلى اللاّعنف وينبذ البطش والعنف.
ونذكر هنا بعض الشواهد:
الإرفاق
بالأسرى
عندما فتح الإمام علي (عليه السلام) خيبر
أخذ فيمن أخذ صفيّة بنت حييّ بن أخطب فدعا بلالا فدفعها إليه، وقال له: يا بلال لا
تضعها إلاّ في يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى يرى فيها
رأيه.
فأخرجها بلال ومرّ بها في طريقه إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) على القتلى، فكادت تزهق روحها جزعاً، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لمّا علم بذلك: أنُزعت منك الرحمة يابلال؟
ثمّ عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عليها الإسلام، فأسلمت، فاصطفاها لنفسه ثمّ أعتقها وتزوّجها، فكانت امرأة مؤدّبة[1].
من
مكارم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يهدر
دم أحد إلا إذا كان مستحقاً للقتل لعظيم جرمه، وكانوا قلة، كقاتل عمه حمزة، ومع ذلك
فإن أكثرهم استأمن لهم بعض معارفهم، فأمنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرجوا
من استتارهم، وجاءوا إليه (صلى الله عليه وآله) وأسلموا على يديه، فقبل إسلامهم
وعفا عنهم.
وكان أحد هؤلاء: صفوان بن اُميّة، وقد فرّ
يومئذ، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمنه،
وأعطاه عمامته التي دخل بها مكّة.
فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر فردّه
وقال: ياصفوان، اذكر الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قد جئتك به.
فقال صفوان، وهو يستبعد ذلك حسب رأيه وحسب
الموازين الحاكمة في الجاهلية سابقاً: اُغرب عنّي فلا تكلّمني.
فقال له عمير، وهو يريد أن يطمئنه: أي صفوان
اُعلمك أنّ أفضل الناس وأبرّ الناس وخير الناس ابن عمّك، عزّه عزّك، وشرفه شرفك،
وملكه ملكك.
فقال صفوان، وهو يبدي ما في قرارة نفسه وما
انطوى عليه الجاهليون من الغدر: إنّي أخافه على نفسي.
فقال له عمير: انّه ليس كما تتصوّر، بل هو
أحلم من ذلك وأكرم.
فاطمأنّ صفوان لما أراه عمير عمامة رسول
الله (صلى الله عليه وآله) التي بعثها إليه علامة لأمانه.
فرجع معه حتّى وقف به على رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، فقال: هذا يزعم أنّك أمّنتني؟
فقال (صلى الله عليه وآله):
صدق.
قال: فاجعلني بالخيار
شهرين.
قال (صلى الله عليه وآله): أنت بالخيار
أربعة أشهر.
مع
عكرمة بن أبي جهل
وكذلك من الأشخاص الذين أُستأمن لهم فآمنهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عكرمة بن أبي جهل، حيث استأمنت له زوجته اُمّ حكيم
بنت الحارث بن هشام وأخبرت زوجها بذلك وهي تقول له: جئتك من عند أوصل الناس، وأبرّ
الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فآمنك.
فجاء معها إلى رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وأسلم على يديه، ثمّ قال: يا رسول الله مرني بخير ما تعلم
فاعمله.
قال (صلى الله عليه وآله): قل أشهد أن لا
إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وجاهد في سبيل الله.
عفوه
عن ابن الزبعرى
ينقل إن عبد الله بن الزبعرى كان يهجو رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ويعظم القول فيه والوقيعة في المسلمين، وعندما فتحت مكّة
فرّ منها، وبعد أن عرف أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) رسول الرحمة والإنسانية رجع
إلى مكّة واعتذر من الرسول (صلى الله عليه وآله) ممّا بدا منه.
فقبل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
عذره وأمر له بحلّة، وعلى أثر ذلك أسلم، وأنشد شعراً يقول فيه:
ولقد شهدت أنّ دينك صادق***حقّاً وإنّك في
العباد جسيم
والله يشهد أنّ أحمد مصطفى***مستقبل في
الصالحين كريم
وقال أيضاً:
فالآن أخضع للنبي محمّد***بيد مطاوعة وقلب
نائب
ومحمّد أوفى البريّة ذمّة***وأعزّ مطلوب
وأظفر طالب
هادي العباد إلى الرشاد***وقائد للمؤمنين
بضوء نور الثاقب
إنّي رأيتك يا محمّد عصمة ***للعالمين من
العذاب الواصب[2]
يهودي
يحبس الرسول (صلى الله عليه وآله)
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال:
إنّ يهودياً كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنانير،
فتقاضاه.
فقال (صلى الله عليه وآله) له: يا يهودي، ما
عندي ما أعطيك.
فقال: فإنّي لا اُفارقك يا محمّد حتّى
تقضيني.
فقال: إذن أجلس معك.
فجلس (صلى الله عليه وآله) معه حتّى صلّى في
ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخر والغداة، وكان أصحاب رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يتهدّدونه ويتواعدونه.
فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم
فقال: ما الذي تصنعون؟
فقالوا: يا رسول الله يهودي
يحبسك؟
فقال: لم يبعثني ربّي عز وجل بأن أظلم
معاهداً ولا غيره.
فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا
إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله[3].
الإسلام
والسجون
من الشواهد على أنّ الإسلام يتبع أُسلوب
اللاّعنف إنّه لم يكن للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) سجن اطلاقاً، بل كان إذا
أراد أن يودع أحداً في السجن ليوم أو لأيّام معدودات ـ أقلّ من أصابع اليد ـ كان
يحفظه في دار كانت بباب المسجد.
وقد بقي هذا القانون حتّى زمان أبي بكر أمّا
في زمان عمر فقد استأجر داراً وجعلها سجناً ليوم أو لبعض الأيّام لأشخاص قلّة[4].
بل حتّى الأُسراء لم يودعهم الإسلام في
السجون أو المعسكرات وإنّما كانوا مطلقين، فمن شاء منهم أن يذهب إلى بلده ومن شاء
منهم أن يبقى في المدينة المنوّرة، وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: ((وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً))[5]. حيث كان الأسير يسير
بحريته.
عفوه
(صلى الله عليه وآله) عن الأعرابي
عن جابر بن عبد الله: إنّ النبي (صلى الله
عليه وآله) نزل تحت شجرة فعلّق بها سيفه ثمّ نام، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على
رأسه، فاستيقظ النبي (صلى الله عليه وآله).
فقال الرجل: يا محمّد من يعصمك الآن
منّي؟
قال: الله تعالى.
فرجف وسقط السيف من يده.
وفي خبر آخر: إنّه بقي جالساً زماناً ولم
يعاقبه النبي (صلى الله عليه وآله)[6].
رحلته
(صلى الله عليه وآله) إلى الطائف
لمّا اشتدّ بلاء قريش على رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وعقيب وفاة ناصره وحاميه أبي طالب (عليه السلام) عانى الرسول (صلى
الله عليه وآله) من سفهاء قريش ما عاناه، حيث إنّهم تجرّؤوا عليه وكاشفوه بالأذى
ونالوا منه ما لم ينل قومه في مكّة.
وقد كان معه آنذاك زيد بن حارثة مولاه،
فأقام بينهم في الطائف عشرة أيّام لا يدع أحداً من أشرافهم إلاّ جاءه
وكلّمه.
فقالوا: أخرج من بلادنا، وأغرّوا به
سفهاءهم، فأخذوا يرجمون عراقيبه (صلى الله عليه وآله) بالحجارة حتّى اختضبت نعلاه
بالدماء.
وكان (صلى الله عليه وآله) إذا أذلقته
الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، بينما
كان زيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتّى لقد شجّ في رأسه شجاجاً، وما زالوا به حتّى
ألجئوه إلى حائط لابنيّ ربيعة: عتبة وشيبة.
فعمد إلى الظلّ وانصرف عنه السفهاء، فأخذ
(صلى الله عليه وآله) يناجي ربّه ويدعوه بالدعاء المأثور قائلا (صلى الله عليه
وآله): «اللهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم
الراحمين، وربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى عدوّ بعيد يتجهّمني، أو
إلى عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا اُبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع
لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي
غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ
بك».
فلم يدع على القوم أبداً، بل كان يقول:
اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
اللاّعنف
في غزوة أُحد
عندما انكشف المسلمون يوم اُحد وانهزموا،
عمد المشركون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرشقوه بالحجارة حتّى شجّ في وجهه
وكلّمت شفته السفلى، وكادوا أن يقتلوه (صلى الله عليه وآله) لولا حفظ الله تعالى
له.
فقام (صلى الله عليه وآله) رافعاً يديه نحو
السماء وهو يقول: إنّ الله اشتدّ غضبه على اليهود حين قالوا: عزير ابن الله، واشتدّ
غضبه على النصارى أن قالوا: المسيح ابن الله، وانّ الله اشتدّ غضبه على من أراق
دمي، وآذاني في عترتي.
وفي الحديث: انّه (صلى الله عليه وآله)
كلّما سال الدم على وجهه المبارك تناوله بيده فرمى به في الهواء، فلا يرجع منه
شيء.
وقد قيل له (صلى الله عليه وآله): ألا تدعو
عليهم؟
فقال (صلى الله عليه وآله): اللهمّ اهد قومي
فإنّهم لا يعلمون.
ثمّ كان يقول (صلى الله عليه وآله) أسفاً
عليهم: كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله.
عفوه
عن هبّار
روي أنّ هبار بن الأسود كان ممّن عرض لزينب
بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين خرجت من مكّة إلى المدينة، حيث روعها هبّار
بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملاً فلما رجعت طرحت ذا بطنها، وكانت من خوفها رأت
دماً وهي في الهودج، فلذلك أباح الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة دم هبّار
بن الأسود، ففرّ هبّار.
ثمّ قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بالمدينة ـ ويقال أتاه بالجعرانة حين فرغ من حنين ـ فمثّل بين يديه وهو يقول: أشهد
أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقبل الرسول (صلى الله عليه وآله) إسلامه
وعفا عنه[7].
مع
ابنة الطائي
وفي التاريخ: انّه هجم جند الإسلام على جبل
طي وفتحوه وأخذوا الأسرى إلى المدينة، فكانت بنت حاتم الطائي فيهم.
فمرّ بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنُن عليّ منّ الله
عليك.
فلم يجبها الرسول (صلى الله عليه
وآله).
وفي اليوم الثالث أشار لها الإمام علي بن
أبي طالب (عليه السلام) أن تعيد طلبتها.
فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد
فامنن عليَّ منَّ الله عليك.
فعفى النبي (صلى الله عليه وآله) عنها وقال:
لا تعجلي بخروج حتّى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتّى يبلغك إلى
بلادك.
ولمّا قدم من قومها من تثق بهم قالت لرسول
الله (صلى الله عليه وآله): قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ.
فكساها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأعطاها نفقة، فخرجت معهم حتّى قدمت الشام.
اللاّعنف
مع الأعرابي
روي عن أنس أنّه قال: كنت مع النبي (صلى
الله عليه وآله) وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة حتّى
أثّرت حاشية البرد في صفحة عاتقه (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال: يا محمّد احمل لي
على بعيريَّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنّك لا تحمل لي من مالك ولا مال
أبيك.
فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال:
المال مال الله وأنا عبده.
ثمّ قال: ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت
بي؟
قال: لا.
قال: لِمَ؟
قال: لأنّك لا تكافئ بالسيّئة
الحسنة.
فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) ثمّ أمر أن
يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر[8].
مع
عبد الله بن أبي اُميّة
جاء في تفسير قوله تعالى: ((وَقَالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأرض يَنْبُوعاً))[9] أنّها نزلت في عبد الله بن أبي اُميّة
أخي اُمّ سلمة (رحمة الله عليها).
وذلك أنّه قال هذا لرسول الله (صلى الله
عليه وآله) بمكّة قبل الهجرة، فلمّا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فتح
مكّة استقبله عبد الله بن أبي اُميّة فسلّم، فلم يردّ عليه السلام وأعرض عنه ولم
يجبه بشيء، وكانت اُخته اُمّ سلمة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل إليها
فقال: يا اُختي إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبل إسلام الناس كلّهم وردّ
إسلامي، فليس يقبلني كما قبل غيري.
فلمّا دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
على اُمّ سلمة قالت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله! سعد بك جميع الناس إلاّ أخي من
بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت إسلام الناس كلّهم.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا
اُمّ سلمة إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبني أحد من الناس، هو الذي قال لي: «لن
نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً».
فقالت اُمّ سلمة: بأبي أنت واُمّي يا رسول
الله ألم تقل: الإسلام يجبّ ما كان قبله؟
قال: نعم.
فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إسلامه[10].
_________________
يا آل
بيت رسـول الله حبكـم*فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر
أنكـم*من لم يصــل عليــكم لا صلاة له
☆–ღ–––•(-•
محب آل البيت
•-)•–––ღ–☆